بسم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
من عجيب أمر الرؤى رؤى العظماء من الملوك والأمراء والقادة، لما فيها من العبر والدروس، وأهمها ألا يغتر الرائي برؤياه، فربما أخبرت بجانب وأخفت جانبًا مهمًا، بتقدير العزيز العليم.
ومن ذلك رؤيا والدة محمد علي إبراهيم أغا القولي الشهير بمحمد علي باشا والي مصر.
فقد رأت أمه وهي حامل فيه، أنها حامل في جوهرة، وقد كان فالجوهرة ترمز أحيانا إلى الحاكم وذي الشأن، مع أن محمد علي نشأ في أسرة فقيرة في قولة (بمقدونيا الحالية) لأب فقير يعمل غفيرًا، ومات وماتت أمه بعده ولم تشهد تحقق رؤياها.
ثم تولى عمه طوسون رعايته، وما لبث أن مات هو الآخر وعهد بمحمد علي إلى صديقه حاكم قولة الذي توسم فيه النباهة والشجاعة فدربه على الفروسية، وعمل بالشرطة، وزوجه إحدى قريباته، فتحسنت أحواله وعمل بتجارة الدخان.
وفي هذه الأثناء رأى رؤيا أنه يشرب ماء النيل كله!
فعبرها له معبر أنه يكون له شأن عظيم في مصر، وصدق المعبر فإن من شرب ماء البحر كله ينال ملكًا عظيمًا.
لكن الشاب محمد علي استبعد ذلك، فأين هو وأين مصر.
إلى أن دهمت الحملة الفرنسية مصر، وانتدب محمد علي ضمن الجند المرسلين إلى مصر لصد الحملة، ولكنه رفض في بداية الأمر، إلى أن ذكره المعبر برؤياه، ولعلها تكون أول خطى تمكينه فيها.
ومن عجيب رؤى هذه الأسرة أيضًا تلك الرؤيا التي سيطرت على ذهن أكبر أبنائه إبراهيم باشا، الذي كان يرى في المنام أنه يسبق أباه إلى القبر، وربما هذي بخوفه ذلك أمام جلسائه.
وقد كان، فقد عين إبراهيم باشا قائما بأعمال أبيه الذي كان قد أصابه الخرف في أواخر أيامه، وحكم مصر مدة سبعة أشهر، إلى أن توفاه الله قبل والده بقرابة عام.

فسبحان العليم الحكيم.